Articles

 


ضعف الدور التونسي في حل الأزمة الليبية

ليبيا كسواها من بلدان الربيع الثوري تخلصت من حقبة أقل ما يمكن توصيفها بأنها اتسمت بالاستبداد والأثرة واحتكار القرار ، لكن صيرورة الثورة ومكونات دفعها لم تنعم بواقع مؤسسي وأمني يسمح بنضجها وازدهارها، إذ لم تمنحها قوى الخارج نفسا لتعبيد مهمة أهدافها حتى أجهزت على تجربة التغيير الليبي مبكرا، بحيث خلطت أوراق التغيير الثوري، وحيثياته  و انغمست البلاد في مستنقع من الرمال المتحركة أمام انقسامات الشارع الليبي و اهتزاز هياكل و مؤسسات الدولة و تحولها الى ساحة للصراعات الإقليمية و الدولية ...

9 سنوات من عدم الاستقرار في هذا البلد الجريح لم يلقي بضلاله على ليبيا فحسب بل  كان له تأثير بليغ على الجارة تونس – بلد أخر من بلدان الربيع الثوري المنكوب – و التي و لئن يبدو حالها افضل من جارتها فانها تترنح في طريق استكمال بنائها الديمقراطي . التقارب الجغرافي و  الترابط التجاري و حتى الثقافي و الاجتماعي بين البلدين سرع من انتقال اجزاء من الأزمة اللييبة الى  جارتها تونس ....  تدفق اللاجئين و ازدهار التهريب و  تصاعد تهديدات المسلحة على الحدود التونسية و تسلل السلاح الى تونس أصبح هاجسا يؤرق مراكز صنع القرار في تونس ( اذا افترضنا ان شأن البلاد يهمها )   .

كل ما سبق يجعل من الدولة التونسية  معنية في المقام الأول بالتسوية في البلد الشقيق  قبل أي طرف  أخر بل أن عمق العلاقات الليبية التونسية  يجعل من تونس تملك مفاتيح التسوية في ليبيا اذا أحسنت لعب دور الوساطة في الملف و لكن لا يخفى على القاصر او الداني من المتابعين للشأن العام  تقلص للدور التونسي في مساعي حلحلة ازمة الجارة و هو ما ترجم فعليا من خلال غياب تونس  او بالأحرى تغييبها   عن مؤتمر برلين حول ليبيا في اوائل شهر جانفي من سنة 2020   و هي المعنية الاولى  بأي تسوية في البلد الشقيق  .

هذا الغياب تواصل في مؤتمر مراكش الأخير  حول الأزمة الليبية في وقت نجحت فيه  عدة أقطار أخرى في فرض تواجدها في كل مفاوضات السلام حول  ليبيا مثل تركيا و  الامارات بالرغم من محدودية العلاقات المباشرة بين هذه  البلدان و  بلد عمر المختار.

  فماهي أسباب تراجع الدور التونسي في محاولات حل  الازمة الليبية و ما هي سبل الارتقاء بهذا الدور ؟

  غياب موقف تونسي داخلي موحد حول الازمة الليبية :

اسند الدستور التونسي لسنة 2014 مسألة الشؤون الخارجية الى  مؤسسة رئاسة الجمهورية التي تقوم بضبط السياسات العمومية في علاقة بالهجرة و الشؤون الخارجية و ايضا في علاقة بالمواقف التونسية من القضايا الدولية و الاقليمية و لكن طبيعة النظام السياسي التونسي ادى الى تداخل  ضمني للادوار و صعوبة حسم الموقف التونسي من الازمة نظرا لاختلاف مواقف الفرقاء السياسيين حول الازمة حيث يصطف شق اول الى جانب حكومة السراج التي تعتبر في نظرهم الحكومة الشرعية في ليبيا و الطرف الرسمي  الذي يجب التعامل معه و هو مابرز بالتحديد في موقف رئيس مجلس نواب الشعب و تصريحاته حول  المعارك الدائرة بقاعدة " الوطية " و التي اججت الخلافات في الداخل التونسي و اضهرت  تناقضات في مواقف مؤسسات الدولة التونسية في المقابل  اصطف شق اخر الى جانب حكومة حفتر  معتبرين بانها  الحكومة الشرعية في ليبيا و الجانب الذي يجب التعامل معه و بين هذا و هذا بدى موقف مؤسسة رئاسة الجمهورية غير واضح و الذي يميل اكثر الى عدم الاصطفاف  مع أي طرف بعينه  و يشجع على تسوية ليبية ليبية دون تدخلات خارجية .

هذا الموقف الذي تتبناه مؤسسة رئاسة الجمهورية و لئن يبدو الاكثر  تمشايا مع الفكر الديمقراطي و  احترام سيادة الدول و حق الشعوب في تقرير مصيرها فانه يبقى  طبويا و خاليا لاليات تنفييذية تسمح بدفع هذه التسوية الليبية خاصة امام اتساع الهوة بين الفرقاء و تورط جهات خارجية في دعم كل طرف .

 هذا و قد اثر هذا التنافر في الاراء الداخلية الى تقليص نجاعة الدور التونسي في الازمة الليبية فالنظام السياسي و الذي و ائن يسند مصالح الخارجية الى رئاسة الجمهورية فانه يسند  صلاحيات  اخرى كالداخلية و الاستثمار و التعاون الدولي الى الحكومة التي تنال ثقتها من مجلس النواب و لا شك ان رئاسة الجمهورية تحتاج الى مقاربة شاملة في تدخلها في الازمة الليبية يكون الجانب الاقتصادي و الاستثماري محورا منها و بالتالي ضرورة تجانس الاراء بين الحكومة و مؤسسة رئاسة الجمهورية و حتى مجلس النواب ليكون هناك حزام سياسي داعم للموقف التونسي  و اصبح من الضروري على

 الدولة التونسية الخوض بسرعة في حوار وطني يجمع الاطراف السياسية حول موقف واحد حول الأزمة الليبية و استغلال عمق علاقات الاطراف التونسية بأطراف النزاع في ليبيا لتقريب وجهات النظر و جمعهم في طاولة حوار واحدة او حتى تحقيق حد أدنى من التوافق في مسار للخروج من الازمة

  محدودية دور  البعثات الديبلوماسية التونسية

 وقع اغلاق السفارة التونسية في طرابلس منذ سنة  2014 على خلفية مخاوف امنية , في وقت حافضت فيه بلدان مثل بريطانيا و فرنسا و تركيا و امريكا على سفاراتها و تمثيلياتها الديبلوماسية في ليبيا و لئن وقع مؤخرا بموجب الحركة الديبلوماسية السنوية اعادة فتح السفارة التونسية في ليبيا فان تونس قد خسرت مدة زمنية طويلة و اضر هذا الشغور بالمصالح التونسية في القطر الليبي حيث تلعب السفارة دورا هاما في  متابعة التطورات في المشهد  الليبي عن كثب و التنسيق الامني بين القطرين خاصة امام تنامي التهديدات الارهابية القادمة من  ليبيا ناهيك عن تنشيط العلاقات الاقتصادية بين الطرفين خاصة اغلب الاستمارات الليبية وجهت الى بلدان اوربية و خليجية في الفترة الممتدة بين

2011 و 2018 مع حضور كبير للسلع الاوروبية و التركية و المصرية في الاسواق الليبية مقابل ضعف للمنتجات التونسية هناك و التي يصل بعضها عبر مسالك غير رسمية و هي التهريب .

بالاضافة الى كل ما سبق فقد وقع انتخاب تونس كعضو غير دائم في مجلس الامن بتاريخ 7 جوان 2019 و لكن مصالح وزارة الخارجية و المندوبية التونسية بمجلس الامن لم تسغل كما يجب هذا الموقع و لم تسجل تونس الى حدود هذه اللحظة أي مبادرات او مشاريع قرارات حول الازمة الليبية كما لم تسغل تونس كما يجب عضويتها  في  الامم المتحدة  لصياغة مبادرات اممية حول الازمة الليبية او حتى تنسيق جهود الاغاثة تحسبا لتدفق اللاجئين في تونس مع تصاعد التوترات في الداخل الليبي ناهيك عن عدم الاستقرار في التمثيلية التونسية و التغيير المتواصل للسفراء التونسيين بالامم المتحدة الامر الذي قلص من نجاعة هذه البعثات الامر الذي تجسد بشكل جلي في غياب تونس عن محادثات السلام في ليبيا مثل مؤتمر برلين و محادثات مراكش في المغرب مقابل ادوار هامة لدول اخرى كتركيا و مصر و الامارات

 و بناء على ما سبق فان الدولة التونسية تحتاج الى تنشيط اجهزتها الديبلوماسية و تكثيف حضورها و اتصالاتها مع الجانب الليبي و بقية الاطراف المتدخلة في الصراع ناهيك عن الضرورة الملحة لتكليف مبعوث دائم  خاص بالملف الليبي يكون محور التنسيق الدائم بين مجهودات الهياكل الديبلوماسية التونسية و يصوغ المبادرات الوطنية  لحلحلة الازمة و يدافع عن مصالح تونس و يجعلها طرفا في أي خطة سلام مستقبلية 

 

 

 

 فماهي أسباب تراجع الدور التونسي في محاولات حل  الازمة الليبية و ما هي سبل الارتقاء بهذا الدور ؟

 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Bottom Ad [Post Page]