Articles


عقوبة الإعدام في القانون التونسي بين رافض ومؤيد
تقديم:
إن اختياري للبحث في عقوبة الإعدام لم يكن من باب الصدفة أو العبث، و إنما كان عن دراية و بحث للواقع المحيط بنا ، فبتأمل المستجدات السياسية العالمية الجديدة نلمح عودة لتطبيق عقوبة الإعدام بل أكثر من ذلك تعسف و غياب للعدالة في تطبيقها خاصة في مصر بعد محاكمات جماعية لجماعة الأخوان المسلمين تغيب فيها أبسط مقومات العدالة ، كذلك الشأن في تونس فقد تعالت عديد الأصوات بعد الثورة لتطبيق عقوبة الإعدام على الإرهابين و مرتكبي الجرائم البشعة . لذلك قررت أن أبحث في هذا الموضوع بمحاولة شخصية قد تحتمل الصواب أو الخطأ، وحاولت فيها أن أتطرق الي عقوبة الإعدام من جوانب مختلفة لكن قبل ذلك حري بنا أن  نتطرق الي حق الحياة أولا.

الحق في الحياة من أجل الحقوق الإنسان الأساسية، بل هو الحق الأكثر أهمية على الإطلاق لأنه الراس المال الحقيقي للإنسان والهبة العظيمة التي منحها الله له تكريما وتفضيلا له على كثيرا من مخلوقاته. ولكن هذا الحق المكرس في الشرائع السماوية والقوانين الوضعية على حد سواء تقابله عقوبة تحد منه، بل تضع حدا له ألا وهي عقوبة الإعدام وهي عقوبة الموت كما تسمي قديما، وهي تقوم على قتل شخص بإجراء قضائي من أجل العقاب أو الردع العام ويكون المحكوم بالإعدام قد ارتكب جريمة عظمي كما يحددها قانون البلد الذي يحاكم فيه. ومصطلح الإعدام لغة هو إحالة وجود موجود الي العدم أي إبطال وجوده بإزهاق روحه واستئصال الجاني من المجتمع على نحو قطعي ونهائي ولقد عرفت البشرية تلك العقوبة منذ قرون طويلة إذ يرجع الأمر إلى ما قبل ميلاد المسيح عليه السلام، وعرفها أيضا الرومان ونص عليها قانون حمورابي الشهير وذلك سنة 1700 قبل الميلاد. وطبقت على جرائم مثل خطف ابن رجل حر وعلى من شهد زورا، ولطالما شكلت عقوبة الإعدام جدلا واسع بين رجال القانون في تونس، فذهب شق من الفقهاء الى تايد عقوبة الإعدام وشجعوا على تطبيقها الفعلي، وذهب الشق أخر إلا رافضها وإلى إلغاء تنفيذها في القانون التونسي، لذلك سوف نتبين بالدرس حجج الطرفين 
لكن قبل ذلك سوف نتطرق الي مواطن تكريس المشرع التونسي لعقوبة الإعدام

1/ تكريس عقوبة الإعدام في التشريع التونسي : 
إن لبشاعة بعض الجرائم الأثر الهام في المطالبة بالقصاص من المجرم و تفعيل عقوبة الإعدام ، لذلك نجد المشرع قد خصص عقوبة الإعدام لبعض الجرائم الجسيمة و من أهمها جريمة القتل العمد مع سابقية القصد و الإضمار على معنى الفصل 201 مجلة جزائية و هو ما نص عليه :< يعاقب بالإعدام كل من يرتكب عمدا مع سابقية القصد قتل نفس باي وسيلة كانت .>

و لقد تشدد المشرع في العقوبة و عد توفر الإضمار ظرفا مشددا نظرا لخطورة الجرم و إقدام القاتل على اقتراف جريمته بعد تفكير هادئ و تصميم و تخطيط و إدراك . وإعداد خطة محكمة لإزهاق روح غريمه مما يؤكد قطعا أن الجاني قد تلبس بنزعة شريرة فهو ماضي في جريمته رغم علمه بفظاعتها وبشاعتها. ولقد عرف المشرع الإضمار بالفصل 202 مجلة جزائية الذي ورد به :<سابقيه القصد هي النية الواقعة قبل مباشرة الاعتداء على ذات الغير.>.
كذلك يعاقب مقترف جريمة الاعتداء بالعنف باستعمال سلاح أو تهديده على قاضي أثناء الجلسة بالإعدام عملا بأحكام الفصل 126 من مجلة جزائية :< إذا كان انتهاك الجريمة واقعا بالجلسة لموظف من النظام العدلي فالعقاب يكون بالسجن مدة عامين ويكون العقاب بالإعدام إذا وقع الاعتداء بالعنف باستعمال السلاح أو التهديد به ضد قاض بالجلسة.>>
وما يلاحظ أن التشديد في العقوبة بالفصل المتقدم مبرر بصفة الضحية إضافة الى خطورة الفعل ووجوب احترام هيبة القضاء. وقد كرس المشرع عقوبة الإعدام في الجرائم العسكرية تحديدا بمجلة المرافعات والعقوبات العسكرية وقد نصت هذه المجلة على جرائم عقوبتها الإعدام ومنها الفصل 69 :« يعاقب بالإعدام كل عسكري ارتكب جريمة الفرار الى العدو.» ويحكم بالإعدام إذا حصل العصيان او التحريض عليه حسب الفصل 80 مجلة بمجلة المرافعات والعقوبات العسكرية .

2/ حجج مناهضي عقوبة الإعدام:
تتعدد حجج هؤلاء ويمكن أن نجملها كما يلي:
 إن للفرد بغض النظر عن الجريمة التي اقترفها يبقي له الحق في الحياة وذلك الحق مثلما يقول بعضهم هبة ونعمة من الله ومن ثم ليس من حق المجتمع أن يسلبه هذه الحياة تحت ستار ما يسم بعقوبة الإعدام، فالمجتمع ليس من حقه سلب حياة الفرد لأنه ليس هو الذي منح الحق في الحياة وأن أساس حق الدولة في العقاب هو العقد الاجتماعي وأنه من غير الممكن أن يتنازل الفرد عن حقه في الحياة الى الدولة. ويذهب بعض رواد حقوق الإنسان الي مناهضة عقوبة الإعدام بناء على بشعثها ولأنه يتأذى منها الشعور الإنساني. بالإضافة الي أن الحكم بالإعدام هو عمل بشري قد يحتمل الخطأ أو الصواب، وكثير من المرات أخطأت المحاكم في إصدار حكمها بالإعدام مما يحرم المجرم من إعادة محاكمة من ذلك ممارسة حقه في الطعن بالتماس إعادة النظر. فهامش الخطأ القضائي موجود في كل الحالات مهما بلغت كفاءة المؤسسة القضائية ونزاهتها، وحين تظهر معطيات جديدة يجب أن يعاد فتح ملف المحاكمة من جديد. وأما في حالة الإعدام فسيكون ظهور أي معطيات جديدة بلا جدوى.
والإعدام في غياب نزاهة القضاء قد يصبح مجرد وسيلة للقتل باسم القانون مثلما هو الحال في مصر حيث تقع إعدامات جماعية لقيادة الإخوان المسلمين ويمكن الإشارة الى كون عقوبة الإعدام هي العقوبة الوحيدة التي لا تضع تأهيل وإصلاح للسجين بل تضع حدا لحياته مباشرة، وأن تسليط عقوبة الإعدام على المجرم ليس من شأنه أن يردع.  وقد انتهى تطـور الضمير الأخلاقي للبشرية إلى حصر نظام العقوبات في نطاق العقوبات السالبة للحرية، دون المساس بالحياة أو بتر الأعضاء أو تشويه الجسد
ليس دور القانون مجاراة غرائز الثأر والانتقام، وإنما تهذيبها ولا يمكن تخيل مواجهة القتل بالقتل. فالقتل لا يبرر القتل

3/ حجج القائلين بوجوب إبقاء عقوبة الإعدام: 
يرى مؤيدو تطبيق عقوبة الإعدام ان تلك العقوبة لديها عديد المزايا ويكمن أن نجملها كما يلي:
أولا أن حق الإنسان في الحياة أمر مقدس ومن باب العدل القصاص من فاعل الجريمة وحرمانه من حقه في الحياة أسوة بالضحية وذلك باستئصاله من المجتمع جزاء على الفعل الذي قام به، وتؤدي عقوبة الإعدام الى ردع كل من خولت له نفسه الاعتداء على الغير وبذلك تحد من انتشار الجريمة في المجتمع. وإن إصدار محكمة لحكم بالإعدام لا يكون عادة إلا في إطار محاكمة عادلة تصدر فيها. وتكون للمتهم كافة الضمانات وبالتالي فإن الخطأ في الحكم أمر نادر أن لم يكن منعدم. وتجدر الإشارة الي أن عقاب القاتل بغير الإعدام من شأنه أن ينشر غريزة الانتقام الفردي ويدفع الأفراد الي تنصيب أنفسهم قضاة يحققون العدالة التي تقاعس النظام القانوني عن ضمان تحقيقها. وعموما فإن الإبقاء على عقوبة الإعدام يحقق ما يسمي بعدالة العقوبة

_________________________________________________________________________________

غسان يامون

3 commentaires:

Bottom Ad [Post Page]