Articles




اتحاد المغربي العربي:
بين الحلم المنشود والواقع الموجود

إن المتمعن في تاريخ الأمم و الباحث عن أسرار ازدهارها و مفاتيح تفوقها سيجد دون شك أن " الوحدة" هي الحل فمجرد التمعن حتى في أسماء الدول التي ازدهرت و هيمنت على العالم في تاريخنا المعاصر سيجدها مرتبطة بكلمة الوحدة مثل "الولايات المتحدة الأمريكية " أو " المملكة المتحدة " أو "الاتحاد السوفياتي " أو " الاتحاد الأوروبي " فهي إذن مجموعة من التكتلات التي أصبحت قوى عالمية سيطرت بالطول و العرض على القرار العالمي .... و لئن انكسر حلم الوحدة العربية على عتبة تنافر الأنظمة الحاكمة و تقاطع مصالحها و اختلاف تحالفاتها الدولية فإن الأمل لازال قائما في وحدة مغاربية أو حتى شراكة إستراتيجية بين دول المغرب العربي من شأنها تحقيق الرقي والازدهار لشعب هذه المنطقة و تجسيم انتظاراته المشروعة . و على هذا المستوي يصبح من الشرعي التساؤل عن ماهية " المغرب العربي " و عن مقومات هذا الاتحاد و عن طبيعة التحديات التي تقف في طريق تحقيقه .
المغرب العربي هي تسمية تطلق على 5 دول تقع في شمال إفريقيا و هي ليبيا و تونس و الجزائر و المغرب و موريتانيا و تمثل هذه الدول مجتمعة الجناح الغربي لما يسمى بالعالم العربي و تمسح معا مساحة تناهز ال6 ملايين كلم مربع و يأمها حوالي 100 مليون ساكن كما يجدر التذكير أن هذه الدول قامت بإبرام اتفاقية أسست بمقتضاها ما يسمى "باتحاد المغرب العربي" وذلك في 17 فيفري 1989 بمراكش و انبثق عن هذه الاتفاقية عدة مؤسسات مشتركة لكنها لم تجد طريقها للتفعيل .

كما انه من الأهمية بالدرجة التعريج على كون الجمهورية التونسية هي الوحيدة من بين الدول المغاربية التي قامت بدسترة فكرة الوحدة حيث جاء بالفصل الخامس من دستور الجمهورية التونسية لسنة 2014 " الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي تعمل على تحقيق وحدته و تتخذ كافة التدابير لتحقيقه ". و لئن جاءت اتفاقية التأسيس بأهداف طموحة مثل "فتح الحدود بين الدول الخمسة لمنح حرية التنقل الكاملة للأفراد و السلع " و "الدفاع المشترك عن سيادة البلدان الأعضاء فإنها ككل الاتفاقيات العربية بقيت سجينة الرفوف لأسباب بينها ما هو معروف و بينها ما يستحق البحث و التنقيب . كل ما سبق لا يمنع أن يكون المنظرون الأوائل لفكرة البناء الوحدوي المغاربي أنهم كانوا على درجة عالية من الوعي بمقومات الوحدة المغاربية و أهمية التثمين المشترك لهذه الموارد و من الضروري إذن التعريج على هذه المقومات.


كثيرة هي مزايا الوحدة و كثرة هي إمكانيات هذه الدول إذا ثمنت بشكل مشترك و جماعي و سأقتصر النظر في هذا المطلب على النقاط التالية : 


الموقع: يتميز المغرب العربي بموقع استراتيجي ذلك أنه يمثل الواجهة الشمالية للقارة الإفريقية و يتميز بقربه من الاتحاد الأوروبي علاوة على أنه يشرف على واجهتين بحريتين هما الأنشط دوليا و هي البحر الأبيض المتوسط من جهة تونس و الجزائر و المغرب و ليبيا و المحيط الأطلسي من جهة السواحل الغربية المغربية و الموريتانية و تتميز هذه الواجهات بحركة ملاحة نشيطة مما يجعل الدول المغاربية في قلب التجارة العالمية و في قلب مسار أدفاق السلع كما يعج بناقلات النفط و السلع التي تعبر قناة السويس في اتجاه الموانئ الجنوبية للاتحاد الأوروبي . كما يشرف المغرب العربي على أهم المضايق البحرية بالعالم و هما مضيق صقلية بين تونس و ايطاليا و الذي يفصل بين الحوض الشرقي و الغربي للمتوسط و مضيق جبل طارق بين اسبانيا و المغرب الأقصى ( 17 كلم) الذي يفصل بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي و تمنح هذه المضائق ثقلا استراتيجيا للدول المغاربية اذا ما تم استثماره كورقة ضغط . 

هذا و يمثل المغرب العربي أيضا نقطة عبور نحو إفريقيا جنوب الصحراء و لا يخفى على أحد تحول إفريقيا إلى الوجهة الأولى للاستثمارات الدولية و أصبحت تستقطب الاستثمارات من جميع دول العالم . كما تتميز الدول المغاربية بالترابط الحدودي فهي تتقاسم الحدود بشكل مسترسل مما يجعل تدفق السلع أسهل بين الدول الأعضاء و يسهل عملية الدفاع المشترك و مراقبة الحدود. 


المساحة: تمسح دول المغرب العربي مساحة تقدر بقرابة 6 مليون كلم مربع وهو ما يمثل 42 بالمائة من مساحة الوطن العربي كما تمتد السواحل على 6505 كلم و لئن تطرح هذه المساحة الكبيرة نسبيا مشاكل متعلقة بصعوبة السيطرة على مسالك التهريب و الهجرة غير الشرعية فإنها تمنح عديد المزايا ذلك أنها تسمح بتوزيع متكافئ للكثافة السكانية إذا ما وقع اعتماد نموذج تهيئة ترابية ناجع بالإضافة إلى موارد طبيعية متنوعة و منتوج سياحي متنوع بالإضافة الى امتداد مساحة الأراضي الفلاحية الخصبة ... 


السكان: يبلغ عدد سكان المغرب العربي 100 مليون نسمة (حسب إحصائيات 200) و لئن يفرض هذا العدد ضغوطات متعلقة بالاكتظاظ في المدن الكبرى و التلوث و ارتفاع النفقات الاجتماعية لكنها في المقابل تمثل سوقا استهلاكية ضخمة فالسوق المغاربية سوق واعدة يقع استثمارها من قبل الاتحاد الأوروبي حيث تغزو السلع الأوروبية الأسواق المغاربية في حين تبقى المبادلات التجارية البينية محدودة للغاية . 


كما يعكس هرم الأعمار بالمغرب العربي هيمنة فئة ال15 الى 60 سنة على تركيبة السكان حيث تمثل هذه الفئة حوالي 60 بالمائة من السكان وهو ما يعني وفرة في يد العاملة و ارتفاعا في عدد السكان النشيطين الأمر الذي يوفر رصيدا بشريا ثريا للاستثمار في وقت تعاني فيه دول أخرى من شح اليد العاملة المحلية و تلتجئ إلى استقطاب اليد العاملة الأجنبية وهو ما يطرح مشاكل اندماج اجتماعي و تحديات كثيرة. 


الموارد الطبيعية: تزخر المنطقة المغاربية بموارد طبيعية وافرة و متنوعة و تتمثل بالأساس في النفط و الغاز الطبيعي بليبيا و الجزائر حيث تحتل هذه الأخيرة المرتبة ال18 عالميا في قائمة مصدري النفط و تمتع بمقعد في منظمة الأوبك و هو ما يجعلها شريكة في تحديد على أسعار النفط العالمية . هذا بالإضافة الى رصيد ثري من الموارد المنجمية كالفسفاط بتونس و المغرب الأقصى و الزنك و الحديد بموريتانيا. . إن الاستغلال المشترك لهذه الموارد سيسمح بتحقيق الاكتفاء الذاتي الطاقي لدول المغرب العربي و يدر مداخيل ضخمة توجه نحو الاستثمار المشترك و الحد من المديونية .. 


عموما تحظى المنطقة المغاربية بعدة مزايا إذا ثمنت بشكل مشترك و استثمرت بمنوال صحيح فإنها تمثل دعائم قوة و ريادة إقليمية و حتى عالمية الأمر الذي يجعلنا نستفسر عن أسباب تعثر البناء الوحدوي بالرغم من هذه الموارد الواعدة.


لاشك أن كل مسار وحدوي من الطبيعي أن يواجه تحديات عميقة و البناء الوحدوي المغاربي ليس بمنأى عن ذلك و تتنوع هذه العراقيل الى سياسية و اجتماعية و أخرى في علاقة بالعوامل الخارجية . 


العراقيل الاجتماعية: ليس من باب المبالغة القول أن الدول المغاربية تسعى جاهدة إلى الحفاظ على تماسكها الاجتماعي الداخلي فليبيا مثلا تواجه شبح التقسيم و المغرب هي الأخرى تعاني من ويلات الانقسام الداخلي و هو ما يجعل من الطبوي قليلا التفكير في توحيد هذه الشعوب تحت راية واحدة فالتوسيع في مفهوم المواطنة من مواطن محلي أو وطني إلى مواطن مغاربي يبقى صعب المنال . أضف إلى ذلك أن النسيج الاجتماعي المغاربي هو عبارة عن خليط من الأعراق من عرب و امازيغ و طوارق و غيرها لم تنجح بشكل كلي في إيجاد أرضية عيش مشتركة و بقيت في حالة تماسك هش قابل للانهيار في اي وقت خاصة أمام تواصل هيمنة الفكر القبلي الجهوي في هذه الدول ثم إن الملفت للانتباه في الفترة الأخيرة هو تقلص الشعور بالانتماء إلى فضاء مغاربي مشترك و كثيرا ما تمثل مباريات كرة القدم خير دليل على ذلك حيث تطفو على خلفيتها مشاكل عميقة و يبرز خطاب كراهية وعنصرية تجاه شعوب المنطقة الواحدة فالمسالة إذن لا تتعلق بمجرد تعصب رياضي بقدر ماهو توتر في العلاقات بين الشعوب المغاربية 


العراقيل السياسية: مقولة اتفق العرب أن لا يتفقوا تنطبق أيضا على الزعماء المغاربة الذين عجزوا عن إيجاد أرضية تفاهم مشتركة و كثيرا ما تصاعدت حدة التوتر السياسي بين الدول الأعضاء فقضية الصحراء الغربية بين الجزائر و المغرب الأقصى تمثل دليلا على هذا التنافر السياسي بين الأعضاء و وصلت الأزمة الى درجة إغلاق الحدود بين البلدين. ليبيا هي الأخرى و لئن لم تصل الى مرحلة الاستقرار السياسي و بناء الدولة فإن وصول حفتر للسلطة قد يشكل ضربة قاضية لمستقبل العلاقات المغاربية في ظل خطابه المعادي لدول الجوار وخاصة الجزائر. 


هذا التوتر السياسي بين الدول المغاربية انعكس سلبا على العلاقات البينية و أضعف تأثير بلدان الجوار في القضايا المشتركة خاصة الأزمة الليبية التي تدار بوساطات أجنبية. 


ضغوطات خارجية: إن الإقرار بوجود ضغوطات خارجية تحول دون تدعيم مسار البناء الوحدوي ليس ضربا من تطوير نظرية المؤامرة و لكن فالحدود الترابية بين الدول المغاربية ليست سوى تاركة استعمارية ثم ان الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي الأول لدول المغرب العربي قام بإبرام اتفاقات اقتصادية أحادية مع كل دولة مغاربية و لا شك انه المستفيد الأكبر من احتدام التنافس الاقتصادي بين هذه الدول ثم ان تغير خارطة التحالفات الدولية و إعادة تشكل المشهد السياسي على الساحة الدولية ينذر بمزيد تشتت الموقف الخارجي المغاربي امام تباين المواقف و الآراء تجاه عدة قضايا عالمية فمنها من اختار سياسة الحياد و منها من اختار سياسة الاصطفاف الدبلوماسي 


عموما فان فكرة البناء الوحدوي تصطدم بعدة تحديات وعراقيل يطول الحديث فيها و يصعب تصنيفها او الفصل بينها نظرا لتداخلها و ترابطها.


إن التنظير لوحدة مغاربية تامة الأركان يصطدم في الوقت الحالي بعراقيل عميقة و جدية و يبقى الحديث عن شراكة اقتصادية إستراتيجية و عميق بين الدول الخمسة مندرجا في نطاق المعقول و لكن يبقى الرهان الأساسي بالنسبة لي هو كيفية التوسيع في مفهوم المواطنة من مواطنة وطنية الى أفق أرحب و هو مواطنة مغاربية يذكي الإحساس بالانتماء إلى تكتل إقليمي يدعى "المغرب العربي".

-----

محمد إسلام المباركي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Bottom Ad [Post Page]