Articles


الوعي الإنساني: بين القانون والأخلاق

يعتبر الوعي وسيلة التواصل الأولى مع أطراف الكون والمواجهة الأولى في اكتشاف المحيط الإنساني والتعرّف على خفاياه. ويعني الوعي القدرة على الإدراك والفهم واتساع الرؤية والمنظور في تحليل التصرفات والظواهر والأشياء. لكن درجات الوعي قد تختلف من شخص إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر نتيجة ظروف خارجية تساهم إما في تنمية درجات الوعي أو تحول دون ذلك. ولعل أهم هذه الأسباب المتدخلة هي المحيط الضيق الذي ينشأ فيه الإنسان، المنهج التعليمي الذي يتكون فيه والتجارب التي يخوضها. بعبارة أخرى، إن نشأ الإنسان داخل محيط منتج فكريا في شتى المجالات وإن تعلم وفق مناهج منطقية وعقلية تكرس الفكر الحر المستقل وإن خاض عديد التجارب الحياتية ولم يكن سجين الخوف والتردد فإن درجة وعيه تزداد تلقائيا. ولكن يجب الإشارة أيضاً أن عدم توفر هذه الأسباب لا يعني عدم إمكانية العمل على تنمية الوعي إلا أن العملية تكون أصعب فحسب. 


ومن منظوري، ينقسم الوعي أساساً إلى ثلاث درجات: الوعي البدائي، الوعي القانوني والوعي الأخلاقي والقيمي والذي سأتناول في تحليلي هذين الدرجتين بداية بالوعي القانوني (1) ثم الوعي الأخلاقي والقيمي (2 ). 

1. الوعي القانوني: 
يقصد به قدرة الإنسان على إدراك واستيعاب أهمية الدور الذي خلق لأجله القانون ألا وهو إرساء النظام وتأطير العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والقطع مع الفوضى والفساد. بتعبير آخر، هو أن يدرك الإنسان حتمية احترامه للقانون ومعرفة المخاطر التي تهدد المجموعة عند مخالفته وتجاوزه. 

ونتيجة لذلك، يولد مصطلح " المانع القانوني" ويعني ايمان الإنسان أن عدم إقدامه على فعل ما كالسرقة أو العنف مثلاً يعود لوجود نصّ قانوني، مهما اختلفت الصيغ والأشكال، يمنع ذلك ويحدد اثاره والذي في حالة مخالفته يترتب عنه إجراءات خاصة تتمثل في جزاء وعقوبات بهدف عدم تجاوزه من جديد. 

لكن الوعي القانوني يفترض نقصا معينا يتمثل في حالة غياب المانع القانوني لفعل ما قد يسبب الضرر للمجموعة أو لشخص منها. فعلى سبيل المثال، لنفترض أن القانون لم يضع مانعا للإحتيال أو العنف أو السرقة فإن الإنسان الذي يملك الوعي القانوني فقط قد يقدم على هذا الفعل لعدم وجود المانع القانوني الذي يحول دون ذلك وهذا ما يجعلنا ننتقل للدرجة الموالية من الوعي وهي الوعي الأخلاقي والقيمي. 

2. الوعي الأخلاقي والقيمي: 
لئن اختلفت الأخلاق والقيم من شخص لآخر ومجتمع لآخر، فإنّه وبدون شك تتشارك البشرية في مجموعة من القيم الكونية والأخلاق السامية التي تنبذ أفعالا معينة وتحبذ أخرى. وانطلاقا من المثال السابق حيث في حالة غياب المانع القانوني مثلاً في الاحتيال فإن الإنسان قد يقدم على الفعل لأن القانون لا يمنعه على ذلك. لكن في الحالة الوعي الأخلاقي فإن الإنسان يدرك أن هذا الفعل ينافي الاخلاق وبالتالي لن يقدم على الفعل علما منه بأنه سيسبب الأذى للمجموعة والاخرين. على هذا الأساس، يمكن تعريف الوعي الأخلاقي على أنه معرفة وإدراك الإنسان لأهمية الأخلاق والقيم في المحافظة على كيان المجموعة وحمايتها من الفوضى والانحلال وبالتالي نتحدث هنا عن مصطلح «المانع الأخلاقي» ويعني إيمان الناس بالدور الهام للأخلاق النبيلة والقيم السامية وهو إحساس بأهمية المجموعة والسعي للمحافظة على صلابتها وتواصلها بهدف الارتقاء بها. 

وبناء على ما سبق، يمكن القول أنّ الوعي الأخلاقي هو أكثر اتساعا وشمولية من الوعي القانوني كونه يمس جميع جوانب حياة الفرد الاجتماعية والشخصية. ومن مميزات هذا الوعي هو تجلّيه في أبسط تصرفات الإنسان ومواقفه مثل ابداء الاحترام المتبادل وعدم التسبب بما يزعج الناس ويهدد المجموعة. 

ويعود هذا الوعي أيضاً بالفائدة على الروح والنفس فهو يساهم في تقديس القيم الإنسانية مثل التسامح والإحسان والعطاء ويكرّس قيم العمل وثقافة المشاركة والحوار والتفاعل والأهم يؤسس للحب والسلام الداخلي. إذا، فإن الوعي الأخلاقي، حسب رأيي، هو أعلى درجات الوعي الإنساني.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Bottom Ad [Post Page]